الأربعاء، 27 مارس 2013

تحليل قضية أدبية:”المنهج الاجتماعي” لنبيل راغب.


تحليل قضية أدبية:"المنهج الاجتماعي" لنبيل راغب(الكتاب المدرسي،واحة اللغة العربية،ص: 209-212)
تقديم:
    المنهج لغة هو الطريق والسبيل والوسيلة التي يتدرج بها للوصول إلى الحقيقة. أما اصطلاحا فهو جهاز مفهومي له آلياته وأدواته القادرة على تحليل الظاهرة الأدبية وفهمها. والمنهج النقدي له مفهومان: عام يرتبط بطبيعة الفكر النقدي ذاته في العلوم الإنسانية بأكملها، هذه الطبيعة النقدية أسسها ديكارت على أساس أنها لا تقبل أي مسلمات قبل عرضها على العقل، ومبدؤه في ذلك الشك للوصول إلى اليقين. أما الخاص فهو الذي يتعلق بالدراسة الأدبية وتحليل النصوص الأدبية وفهمها وتفسيرها، وكل منهج لابد له من نظرية في الأدب، تجيب عن تساؤلات ما الأدب؟ وعن علاقة الأدب بالمجتمع والحياة سواء كانت العلاقة محاكاة أو تخيلا أو انعكاسا أو تماثلا. والنص بين أيدينا قضية أدبية موضوعها التعريف بعلم اجتماع الأدب، هذا المنهج ظهر نتيجة الثورة الماركسية واستلهم أعمال ماركس وانجلز وكذلك أعمال لينين خصوصا في قراءته لتولستوي، وأعمال جورج لوكاتش ولوسيان كولدمان، وكذلك بيير ماشيري، وانتقل إلى العالم العربي بفعل الترجمة والاحتكاك بالثقافة الغربية، ومن رواده في العالم العربي نجد: الطاهر لبيب، وإدريس بلمليح، ومحمد بنيس، وجابر عصفور، وحميد لحمداني، ونبيل راغب صاحب هذا النص المأخوذ من كتابه: "موسوعة النظريات الأدبية" ويحمل عنوان: "المنهج الاجتماعي" وهو مركب اسمي، ويحيل دلاليا إلى أن موضوعه التعريف بآليات ومفاهيم وأدوات المنهج الاجتماعي الذي يبحث في علاقة الأدب بالمجتمع الذي أنتج فيه، إذن ما هي قضية النص الأدبية؟ وما هي قضاياه الفرعية؟ وما العلاقات الرابطة بينها؟ وما هي سمات القضية العامة والخاصة؟ وما هي المفاهيم التي يشتغل بها المنهج الاجتماعي؟ وما مرجعية الناقد في هذا النص؟ وما طرائق عرضها؟ هذا ما سنتعرف عليه في تحليلنا للنص.
ـ تحديد القضية الأدبية والعناصر المكونة لها
   يمكن حصر قضية النص في: "خصائص المنهج الاجتماعي عند غولدمان".
   أما القضايا الفرعية المكونة لها فتتحدد في:
1         منهج علم الاجتماع قبل غولدمان عند مدام دي ستايل، ودي بولاند، وإيبوليت تاين؛
2    تبلورت النظرية الاجتماعية باجتهادات لوكاتش وتلميذه غولدمان وذلك باستفادتهما من النظرية البنيوية التوليدية؛
3    ساهمت البنوية التوليدية في انطلاقة علم الاجتماع البنيوي التوليدي، وذلك بتحديد الفرضيات الخمس المؤسسة له؛
4        مفهوم رؤية العالم والمجتمع والحياة؛
5    البنية العقلية أو المقولات أو المفاهيم التي تشكل الوعي الحياتي لمجموعة اجتماعية بعينها، وبالعالم التخيلي الذي يخلقه الأديب؛
6        التماثل بين بنية وعي المجموعة الاجتماعية وعالم العمل الأدبي؛
7    إن أبنية المقولات التي يدرسها علم الاجتماع الأدبي هي الأبنية التي تمنح الوحدة العضوية والبنيوية للعمل الأدبي؛
8               ترفض البنيوية التكوينية التفسيرات الفرويدية للعمل الأدبي على أنها كبت مسبق، أو عمليات غير واعية مرضية.
تحديد العلاقة بين القضايا:
1 ـ علاقة تكامل بين القضيتين: (2و3).
2 ـ علاقة تضمن بين القضيتين: (3 و4) فالقضية الرابعة متضمنة في الرابعة.
3 ـ علاقة إيضاح بين القضيتين: (5 و6).
4 ـ علاقة تضاد بين القضية: 8 والقضايا: (5و6و7).
المفاهيم الأساسية في النص:
    تحضر في النص مجموعة من المفاهيم هي:
ـ النظرية السوسيولوجية في الأدب: النظرية الاجتماعية للأدب.
ـ البنيوية التوليدية: هو مذهب لساني أسسه نعوم شومسكي بالولايات المتحدة الأمريكية.
ـ علم الاجتماع البنيوي التوليدي: أو ما يسمى بالبنيوية التكوينية أو التوليدية.
ـ رؤية العالم: ويقصد به أن كل طبقة في المجتمع لها فكرها وإيديولوجيتها التي ترى من خلالها العالم.
ـ الأبنية العقلية: هي ظواهر اجتماعية توجه طبقة معينة.
ـ التماثل: هو أن بنية الأدب تماثل بنية المجتمع، وليست تعكسها. فالتماثل يعني التشابه.
ـ تشريح العمل الأدبي: بمعنى تفكيكه إلى وحداته الصغرى. وهو مذهب نقدي يسمى كذلك بالتفكيكية تزعمه جاك ديريدا في الغرب، وعبد الله الغدامي في الوطن العربي.

       السياق العام للقضية: ظهر المنهج الاجتماعي لدراسة الأعمال الأدبية عامة والروائية خاصة بظهور الثورة الماركسية الاشتراكية في ألمانيا، وكذلك بظهور بعض الأعمال النقدية التي كتبها لينين عن تولستوي. إضافة إلى ذلك ظهور الفلسفة الوضعية مع صاحبها أوغست كونط الذي اعتمد المنهج الاجتماعي لتفسير ظاهرة الانتحار في فرنسا. ساعدت هذه الأمور في استفادة النقد الأدبي من هذه الفلسفة وعلم الاجتماع ليحقق الناقد باعتماد منهجهما علمية الأدب تمكن لنتائجه أن تماثل النتائج التي يتوصل إليها عالم الاجتماع في دراسة الظواهر الاجتماعية.
      السياق الخاص للقضية: طرح هذا النص في سياق تعريفنا بالمنهج الاجتماعي في علاقته بالأدب،
وقد نظر إلى ذلك نظرة تاريخية تأصيلية بمعنى بحث عن أصول المنهج في الدراسات الغربية، فخلص إلى أن هذا المنهج بدأ مع الناقدة الفرنسية مدام دي ستايل سنة 1800 م ثم بعد ذلك تلتها محاولة "دي بولاند" والناقد الفرنسي "إيبوليت تاين". ولم يكتمل المنهج ليمتلك القدرة الكافية التي تمكنه من ولوج عالم النصوص إلا بمجيء جورج لو كاتش، ولوسيان غولدمان اللذان استفادا من علم الاجتماع ومن البنيوية التوليدية التي أسسها اللساني الأمريكي شومسكي. وكانت هذه البنيوية بمثابة الطاقة الفكرية التي جعلت كولدمان ينتج خمس فرضيات: (رؤية العالم، الأدب ظاهرة اجتماعية، التماثل بين البنية العقلية للمجتمع والعمل الأدبي، بنية مقولات علم الاجتماع الأدبي هي التي تمنح الوحدة العضوية للعمل الأدبي، رفض المنهج النفسي الذي يعتبر الأدب ظاهرة مرضية).
     ـ رصد سمات المنهج الاجتماعي في النص:
يمكن رصد هذه السمات في:
1        تفسير النصوص الأدبية بربطها بالواقع الاجتماعي الذي أنتجها؛
2        المنهج الاجتماعي منظومة نقدية تحلل المضمون الاجتماعي في ضوء الشكل الفني؛
3        يعتمد المنهج الاجتماعي مجموعة من المفاهيم: رؤية العالم والمجتمع والحياة؛
4        أبنية المقولات الدالة ليست ظواهر فردية وإنما هي ظواهر اجتماعية؛
5    ينفي غولدمان أي تعارض في وجود علاقة محكمة بين الخلق الأدبي والواقع الاجتماعي التاريخي… ولا يمكن إدراك المعنى الحقيقي والشامل الدال .. للخلق الأدبي … خارج إطار هذه العلاقة المحكمة…..
    مرجعية الناقد:
   رجع الناقد في هذه الدراسة إلى أصول علم اجتماع الأدب ليقف على تاريخيته، كما رجع إلى تاريخ الأدب الفرنسي الذي اهتم بالتأريخ للظاهرة الأدبية ليكون نظرة عن هيبوليت تاين، وكذلك طالع المنهج الاجتماعي في تجلياته الأخيرة عند لوكاتش وكولدمان في كتابه: "الإله الخفي دراسة مأساوية في مسرح راسين وخواطر باسكال" ليحدد الفرضيات التي انطلق منها كولدمان لدراسة الظاهرة الدبية.
   طرائق عرض القضية:      
ـ اعتمد الكاتب منهج الاستقراء ليقف على الخطوط العامة للمنهج الاجتماعي لدى كولدمان؛
ـ اعتمد الكاتب منهج الاستدلال بالمقارنة بين المنهج الاجتماعي والمنهج النفسي الفرويدي ليحدد الاختلاف بين المنهجين، وليقف على نجاعته المنهج الاجتماعي في التعامل مع النصوص الأدبية والعملية الإبداعية ليس باعتبارها كبتا أو مرضا، وإنما هي عمل جماعة اجتماعية واعية بعملها.
ـ اعتمد المنهج التاريخي ليقف على البوادر الأولى للمنهج الاجتماعي.
ـ كما وظف الناقد في هذا النص أسلوبا تقريريا خاليا من التعقيد والبلاغة الإيحائية؛ وذلك لأنه بصدد التعريف بالمنهج الاجتماعي لدراسة الأعمال الأدبية، مما تطلب منه سهولة الأسلوب ووضوحه ليقرر مبادئ هذا المنهج وآلياته في ذهن المتلقي، واستعان لذلك بمجموعة من المؤكدات اللغوية (إن، أن، لقد، لابد…) وذلك لتأكيد المعنى وتقريره في ذهن القارئ وإقناعه بأهمية علم اجتماع الأدب.
تركيب وتقويم:
   تركيب: المنهج الاجتماعي هو الجهاز المفاهيمي الذي تشتغل به النظرية الأدبية لتكشف عن علاقة الأدب بالمجتمع، وقد تعرفنا من خلال النص أن المنهج الاجتماعي ابتدأ سنة 1800 ووصل إلى نهايته في النصف الثاني من القرن العشرين على يد لوسيان كولدمان الذي سماه: بالينيوية التكوينية. وانطلق فيه من خمس فرضيات. وتتجلى القضية النقدية للنص في: "خصائص المنهج الاجتماعي عند غولدمان" وارتبطت بها مجموعة من المفاهيم والقضايا بواسطة علاقات حددناها في: التكامل والإيضاح والتضمين والتعارض، كما وقفنا عند سمات المنهج كما حضرت في النص. ورجع الناقد لتعريفنا بخصائص المنهج الاجتماعي عند غولدمان" إلى كتابه "الإله الخفي" ليعرفنا بالفرضيات الخمسة التي انطلق منها لدراسة الظاهرة الأدبية. واعتمد منهجا يجمع بين التاريخ، والاستقراء، والمقارنة. كما اعتمد أسلوبا تقريريا بسيطا مصحوبا بأدوات التأكيد لإقناع القارئ.
    تقويم: أرى أن المنهج ضروري لدراسة الأدب دراسة علمية وموضوعية بعيدا عن الذاتية.

0 التعليقات:

إرسال تعليق