الخميس، 8 مارس 2012

الاتصال

الاتصال communication هو تبادل معلومات بين أفراد أو جهات بوسائل نقل مختلفة كالأمواج الصوتية والضوئية والكهرمغنطيسية.

استرعى تطور الاتصال وازدياد تأثير تقنياته انتباه كثرة من الاختصاصيين، وحاول كل منهم حصر علم الاتصال في مجال اختصاصه. فقد طور علماء النفس في دراستهم سلوك الإنسان، مفاهيم في الاتصال مفيدة لبحوثهم، وللمعالجة النفسية. وميز علماء الاجتماع صيغاً مختلفة لتناقل الأساطير وطرائق المعيشة والسلوك والتقاليد من جيل إلى جيل، في المجتمع الواحد أو انتقالها من مجتمع إلى آخر. أما علماء السياسة والاقتصاد فقد تبين لهم أن أنواعاً عدة من الاتصال تنضوي في صميم طريقة تنظيم المجتمع.

وحاول الرياضيون والمهندسون، بتأثير التقنيات الجديدة، ولاسيما الحواسيب عالية السرعة، تحديد وحدة لقياس مكونات المعلومات المتبادلة تحديداً كمياً وتطوير طرائق لترجمة مختلف الأفكار المتبادلة إلى كميات يسهل قياسها والتحكم فيها بالطرائق والتجهيزات المتوافرة لديهم.

رسم المربي مارشال مكلوهان Marshal Mcluhan، في الستينات من القرن العشرين، الخطوط الرئيسة في مجال الاتصال، حين ربط بين معظم الظواهر النفسية والاجتماعية المعاصرة وتوظيف وسائل الإعلام media في الحضارة الحديثة.

ونبهت عبارته الشهيرة «تكمن أهمية الرسالة في وسيلة نقلها» كثيراً من صانعي الأفلام والمصورين والفنانين وغيرهم إلى أن المجتمع المعاصر ينتقل من ثقافة المطبوعات، كالكتب والمجلات والجرائد وغيرها، إلى ثقافة المرئيات والمسموعات. وأهم الصيغ الثقافية التي اهتم بها مكلوهان وأتباعه هي التي ترافقت مع التجهيزات المتطورة والمعقدة التي أظهر الجيل الشاب اهتماماً واضحاً بها مثل السينما والتلفزيون والمسجلات. ومن الواضح أن الاهتمام بالاتصال بدأ، في الوقت الراهن، يبتعد عن المكلوهانية ويرتكز على الإعلام الجماهيري وصناعته وأثره في مستمعيه، والاتصال الموجه وأثره في المعارضة، والاتصال في الأفراد بوصفه وسيلة لتبادل المعلومات، ودينامية الاتصال الكلامي وغير الكلامي بين الأفراد، ومنه التخاطر telepathy، والإدراك الحسي لمختلف أنواع الاتصال، واستخدام تقنيات الاتصال لأغراض اجتماعية وفنية وتعليمية، وتطوير وسائل نقد المحاولات الفنية باستخدام تقنيات الاتصال الحديثة.

نماذج الاتصال

إن تباين وجهات نظر الكثيرين من الاختصاصيين والباحثين في الاتصالات وطرائقها ومعالجتها أدى إلى حدوث جدل حول كيفية التخاطب مع المجتمع، ومدى تأثير ذلك في الناس على اختلاف ثقافاتهم وبناهم الاجتماعية. ولكن معظم العلماء متفقون على رأي السياسي هارولد لاسويل Harold Lasswell أن مهمة علماء الاتصال هي الإجابة عن السؤال التالي: «من قال، وماذا قال، ولمن قال، وما هو أثر قوله». ولقد فسر كل عنصر من هذا السؤال تفسيراً مختلفاً تبعاً لاختلاف اختصاصات الباحثين، وفي ضوء ذلك تم تطوير النموذجين الخطي والدينامي في الاتصال.

النموذج الخطي: نجم هذا النموذج الفعال المبسط، في نهاية الأربعينات من القرن العشرين، عن افتراضات وضعها كل من الرياضيين ك شانون K. Shanon وويفر D. Weaver. إن بساطة هذا النموذج من جهة، وشموليته من جهة أخرى، جعلتاه ذا أهمية خاصة في نظر المختصين في علوم الاتصال. ويتكون هذا النموذج من خمسة عناصر أساسية مرتبة على التوالي وهي: مصدر المعلومات Source of information والمرسل transmitter وقناة الاتصال channel والمستقبل receiver والوجهة destination. وبذلك تنتقل الرسائل على طول قناة الاتصال، بعد أن يتم تحويلها إلى طاقة كهربائية بوساطة المرسل، ومن ثم يعيد المستقبل بناء الإشارة إلى شكلها. ومع مرور الزمن أعيدت تسمية العناصر السابقة الذكر لتأخذ صيغة أكثر شمولية تلائم التطبيقات المختلفة في أنظمة الاتصال. وعلى هذا فقد قسم مصدر المعلومات إلى مركبتين هما المصدر والرسائل الحاوية على المعلومات المراد نقلها من جهة إلى جهة أخرى. والنموذج المعدل للتسمية هو: المصدر والرمز والرسالة والقناة وكاشف الترميز والمستقبل.

ومع شمولية النموذج المقترح وترتيبه، فإنه لم يتضمن شروط عمل أنظمة الاتصال المحيطية والمشكلات المرافقة لها ولاسيما ظواهر التشويش وتغير معالم الإشارات تغيراً عشوائياً. وتتدخل مصادر عشوائية الطابع في أنظمة الاتصالات على شكل ضجيج داخلي أو خارجي مؤدية إلى تغيير معالم الرسالة وتشويهها، وهذا ما يسمى الأنتروبية entropy أو معيار الانحراف عن النظام الأصلي. وفي السياق نفسه ثمة ظاهرة أخرى متلازمة مع أنظمة الاتصال وهي التعددية redundancy التي لا تظهر على العموم في مخططات الأنظمة المختلفة على الرغم من أهميتها.

هذه الظاهرة هي الحل الأنجع لمعالجة مظاهر الضجيج المختلفة التي تغير من معالم الرسالة، إذ أن الضجيج يلازم أنظمة الاتصالات ولا يمكن التخلص منه كلياً، إنما يمكن الحد من تأثيراته التشويهية. ولذلك فإن النموذج الخطي يعالج الحالة الساكنة، لأنه يمثل انتقال الرسائل من نقطة إلى أخرى وليس نتائجها أو تأثيرها في المستقبل أو المرسل.

وقد أضيف مبدأ التغذية الخلفية، أو الراجعة فيما بعد، إلى النموذج الخطي، وذلك لتبيان التأثير المتبادل بين أنظمة الاتصالات وتأثيراتها في العنصر البشري. واستخلص هذا المبدأ من الدراسات والأبحاث التي راعت استجابة الأنظمة لأدائها وإمكانية تصحيح هذا الأداء للتقليل من الضجيج والتكرار وظواهر التشويه المختلفة.

النموذج الدينامي: استنتجت نماذج أخرى لمعالجة نظم الاتصالات وتقويمها تقويماً يختلف عن اهتمامات بعض النظريين، مثل شانون وويفر. وعلى الرغم من سهولة النموذج السابق وعموميته إلا أنه يفتقر إلى القدرة على التوقع والتحليل والتوصيف. ولهذا طور عالم النفس تيودور نيوكومب T. Newcomb نموذجاً يهتم بالتفاعل التبادلي لعناصر أنظمة الاتصالات بين البيئة وعناصرالنظام. ولا يهتم نموذج نيوكومب بالنواحي الكمية والرياضية لأنظمة الاتصالات كما هي الحال في نموذج شانون، بل يهتم بالسلوك الإنساني ومتغيراته وعلاقاته، وذلك إضافة إلى مراعاة النواحي العاطفية والفنية للاتصالات في المجتمعات الإنسانية. وفي رأي كثير من أتباع النموذج الدينامي أن وسط انتقال المعلومات هو متغير يؤثر تأثيراً فعالاً‌ في الاتصال على خلاف أتباع نظرية شانون، والدليل على ذلك أن تأثير الرسالة المرئية أو الصوتية في الجمهور أكبر من تأثير الرسالة المكتوبة لما تحمله الرسالة المرئية من نقل للعواطف والمشاعر الإنسانية.

ويبقى نموذج شانون هو الأكثر ملاءمة للتعامل مع أنظمة الاتصالات ونظرياتها المختلفة لما يحمله من منطق رياضي قابل للإثبات. ويتيح هذا المنطق للمتعاملين مع أنظمة الاتصالات تحليلها رياضياً مهما تعقدت علاقاتها ومواصفاتها وذلك لتحسين أدائها والتقليل من الضجيج والتكرار.

0 التعليقات:

إرسال تعليق