الأربعاء، 27 مارس 2013

تحليل نص: ثنائية المغلق والمفتوح لكمال أبو ديب.


 تحليل نص "ثنائية المغلق والمفتوح" لكمال أبو ديب، (الكتاب المدرسي، في رحاب اللغة العربية ص:257.)
    تقديم: النص موضوع التحليل قضية نقدية تتغيا دراسة مقطع شعري عمودي لأبي محجن الثقفي مكون من ثلاثة أبيات شعرية، دراسة تعتمد المنهج البنيوي الذي يعتمد في دراسة الأدب على الوقوف على بنية النص صوتيا ومعجميا وتركيبيا ونصيا، من خلال ثنائيات نصية، وقد ظهر في العالم العربي نتيجة الاحتكاك بالثقافة الغربية والترجمة، ومن رواده في العالم العربي نذكر صلاح فضل ومحمد مفتاح وكمال أبو ديب صاحب هذا النص الذي يحمل عنوان: "ثنائية المغلق والمفتوح" وهو مركب اسمي، ويحيل دلاليا إلى أن النص تتحكم فيه ثنائية: (الانغلاق والانفتاح) وهو مقتطف من كتابه: "جدلية الخفاء والتجلي" ويظهر من خلال تأمل العنوان والمصدر أن هناك تناغما بينهما وانسجاما فالخفاء يقابلها الملق، والمفتوح يقابلها التجلي. إذن ما هي قضية النص النقدية ؟ وما عناصرها؟ وما العلاقة التي تربط بينها؟ وما هي المفاهيم والمصطلحات المنضوية تحت هذه القضية؟ وما مرجعية الناقد فيها؟ وما طريقة عرضه لها؟ هذا ما سنتعرف عليه من خلال تحليل النص.
    قضية النص النقدية: تتجلى قضيته النقدية في: "إن الثنائيات اللغوية والمعنوية والصوتية في شعر أبي محجن الثقفي تجسد تجربته الشعرية". وتندرج تحتها مجموعة من القضايا هي:
1 ـ تصور الثنائيات اللغوية أزمة الشاعر.
2 ـ تصور الثنائيات الضدية ثنائية الانغلاق والانفتاح.
3 ـ تصور بنية القصيدة الصوتية حنين الذات العميق ونزوعها إلى الانطلاق.
4 ـ تجسد حركة المكونات الصوتية الخفيفة والثقيلة لحظة الصدام بين القيد وحركة الانطلاق.
5 ـ يجسد التناوس بين الحروف الصامتة والصائتة الممدودة صورة التقييد.
    نلاحظ من خلال تتبعنا لهذه القضايا أنها شارحة ومفسرة للقضية الأساس ومحللة لها، وتحضر مجموعة من العلاقات لتحديد علاقة كل قضية بأخرى. نذكر مثلا: العلاقة الكلية تربط (القضية1 بالقضايا: 2و3و4و5). وعلاقة اشتقاق وتربط (القضية 2 بالقضية 4). وعلاقة تضمن وتربط (القضية 3 بالقضية 5).
    مناقشة القضية: ظهر المنهج البنيوي في اللغة بظهور كتاب: "محاضرات في علم اللغة العام" لفردناند دي سوسير عالم اللغة السويسري، وبصدور هذا المؤلف تغيرت النظرة إلى اللغة، وبدأ ينظر إليها نظرة مختلفة تقوم على دراستها في ذاتها ولذاتها، لكن النظرة الجمالية إلى الأدب كانت مع الشكلانيين الروس ومع علمهم رومان ياكبسون خاصة صاحب كتاب: "قضايا اللغة الشعرية" ففيه طرح مفهوم "الأدبية" وهي القوانين التي تميز النص الأدبي عن النص غير الأدبي. ويعتبر هذا النص موضوع الدراسة شاهدا على إمكانية تطبيق النقد البنيوي على النصوص الشعرية التراثية، ويبين نجاعته في تفسير بعض القضايا من خلال الوقوف على مكونات النص الصوتية واللغوية، مما يفتح شهية القارئ العربي إلى تجريبه على نصوص أخرى، كما جربه كمال أبو ديب على هذا النص معتمدا مجموعة من الثنائيات الوفاقية والضدية الصائتة والصامتة ليحدد من خلالها بنية النص اللغوية، وأزمة الشاعر التي ترتبت عنها، في علاقته بالأشياء المحيطة به، وبالواقع الذي يعيش فيه.
     وتوحي المصطلحات والمفاهيم التالية: "الجملة"، و"لفظة"، "الصيغة الطبيعية للكلمة في اللغة"، "الصيغتان"، "النداء"، "لغة القصيدة"، "بنيتها الصوتية"، "المكونات الصوتية"، "الأصوات الخفيفة"، "القاف الثقيلة"، "تتكرر القاف في الشطر الأول"، "تطغى حروف المد على الشطر الثاني"، "الحروف الصامتة"، "الحروف الصائتة الممدودة"، "التشديد والتكرار"، "الأصوات اللينة الرخوة"، "القافية"، "جسد اللفظة الصوتي والصرفي" بانتماء النص إلى المنهج البنيوي لأنها تمثل أدوات اشتغاله على النصوص، وتوحي كذلك بمقصدية الناقد وهي دراسة هذا النص الشعري من جهة لغته انطلاقا من الزاوية الصوتية والصرفية والنحوية والإيقاعية.
    مرجعية الناقد: تتمثل مرجعية الناقد في اعتماد المنهج البنيوي  لدراسة النص الشعري.
    طرائق عرض القضية:
      ـ الأسلوب: استثمار الدرس اللغوي للوقوف على خصائص النص الفنية:
   1 ـ الاتساق التركيبي والدلالي والمعجمي:
    أ ـ الاتساق التركيبي:
    يعالج هذا النص قضية نقدية تتمثل في بيان الصلة بين الأدب واللغة من وجهة نظر المنهج البنيوي، الذي يهتم بالشكل اللغوي ويغفل المضمون الاجتماعي والنفسي؛ ولذلك فالقضية النقدية هي: "إن الثنائيات اللغوية والمعنوية والصوتية في شعر أبي محجن الثقفي تجسد تجربته الشعرية". ولكي يوضح الناقد هذه القضية لجأ إلى بناء عبارات النص وجمله بعضها على بعض لتشكل نصا متسقا ومترابطا تؤدي الجملة الأولى فيه إلى الثانية، والثانية إلى الثالثة … هكذا إلى نهاية الفقرة، مستخدما في ذلك أدوات الوصل كما تبين هذه الجمل المستقرأة من النص:
ـ وتتبلور هذه التصورات منذ الجملة الأولى….
ـ لأن تصور مقدار من الحزن كاف…..
ـ أو قدر محدد مقابل قدر لا حد له…
ـ ثم إن لفظة حزنا نفسها تبلور تصور المغلق …
ـ لأن الصيغة الطبيعية للكلمة في اللغة …
ـ لكنها استخدمت هنا …..
ـ ويتعمق التصور …
ـ ويتكثف في صورة الخيل
ـ التي تطردها القنا
ـ وفي صورة الشاعر النقيضة
ـ وتؤكد الصيغتان ….
ـ الذي يؤكد بعد الانطلاق
ـ لأنه فضاء مفتوح واسع الآماد..
ـ إذ إن النداء انفتاح وانتشار باتجاه العالم الخارجي
ـ لكن هذا البعد
ـ التي تضم المنادي وتحجبه عن العالم الخارجي
ـ لأن الرؤية هي انفتاح وكشف للمغلق اللامرئي.
ـ ومقابل هذا الانغلاق تنشب صورة الحرب
ـ التي تزداد تناميا وتتمادى
ـ إذ تتناوس المكونات الصوتية
ـ ولعل أبرز تجل لذلك أن يكون إطلاق قافية القصيدة….
ـ أي أن القافية تشكل طرفا
ـ ويتبلور ذلك مدهشا في البيت الثاني
ـ الذي يصف فعلا لحظة الصدام …
ـ إذ تتكرر القاف في الشطر الأول
ـ إذ تطغى الحروف الصامتة في البيت الأول
ـ أي أن جسد اللفظة الصوتي والصرفي….
ـ التي تنشأ ضمنها
    ويتبين من خلال جرد هذه الجمل أن النص يتسق تركيبيا بواسطة أدوات العطف: (الواو، أو، ثم)، وأدوات التفسير: (لأن، لأنه، إذ، أي)، وأسماء الموصول: (التي، الذي)، وحرف الاستدراك: (لكن).
    ب ـ الاتساق الدلالي:
    ويكون بالإحالة: وهي علاقة دلالية بين عنصر محيل وعنصر محال إليه داخل النص ويحققها الضمير واسم الإشارة. وتكون إما قبلية أو بعدية، وكذلك تكون إما مقالية نصية أو مقامية.
    ـ الضمير: ورد في الجمل التالية: (قدر لا حد له)، (إن لفظة حزنا نفسها)، (لكنها استخدمت هنا…)، (الخيل التي تطردها القنا فتندفع أمامها)، (وفي صورة الشاعر وهو مشدود عليه وثاقه)، (مقيد في سجنه)، (ممنوع عليه الانطلاق)، (…لأنه فضاء مفتوح)…. يتضح من خلال هذه الأمثلة أن الشاعر وظف ضمير الهاء المفرد الغائب، و "ها" المؤنث الغائب بكثرة في النص، وله في النص إحالة قبلية، ومقالية.
ـ اسم الإشارة: وردت في الجمل التالية: (تتحرك هذه الأبيات …)، (وتتبلور هذه التصورات منذ الجملة الأولى…. )، (لكنها استخدمت هنا …..)، ( لكن هذا البعد )، (ومقابل هذا الانغلاق تنشب صورة الحرب)، (ولهذا التناوس مظهر آخر)…. يتضح من خلال هذه الأمثلة أن اسم الإشارة يحيل إحالة بعدية، ومقالية.
     
ثانيا ـ الانسجام:
ونقصد به تلك الروابط غير اللغوية القائمة بين الجمل وهي روابط خفية تسمح بتأويل رسالة النص وفهم مضمونها لإدراك الانسجام القائم بين عناصرها، ويتحقق الانسجام في النص بمجموعة من المبادئ هي:

1 ـ مبدأ السياق: يؤدي السياق الذي ظهر فيه النص دورا فعالا في فهمه وتأويله, وإدراك علاقاته وروابطه، ونحصر خصائص سياق هذا النص فيما يلي: كمال أبو ديب ناقد سوري يهتم بدراسة الظواهر الأدبية قديمها وحديثها في ضوء المنهج البنيوي، وهو يدرس في هذا النص قطعة شعرية قديمة لصاحبها أبي محجن الثقفي في ضوء المنهج البنيوي، والنص مقتطف من كتابه: "جدلية الخفاء والتجلي" الذي صدرت طبعته الرابعة سنة 1995 عن دار العلم للملايين ببيروت، وعنوان المصدر مؤسس على ثنائية: (الخفاء/التجلي) والثنائيات كما رأينا يوظفها بها البنيويون للوقوف على بنية النص الأدبي، كما فعل كمال أبو ديب في هذا النص.: (المغلق/المفتوح)،(السكون/الحركة)، (القيد/حركة الانطلاق)، (قمت/أغلقت).  

2 ـ مبدأ التأويل المحلي: ونقصد به التعامل مع النص من خلال معطيات النص، وفهمه انطلاقا من سياقه الخاص، وتأويله تأويلا داخليا محليا. نمثل لذلك بقوله: "العالم الخارجي" لا يقصد به المجتمع، والواقع، بل يقصد به "الفضاء الخارجي".

3 ـ مبدأ التشابه: تتحكم في قراءتنا لهذا النص مجموع القراءات التي مارسناها وتعرفنا فيها عن المنهج البنيوي، فهي تساعدنا على فهم هذا النص لتحقيق انسجامه. فالنقد البنيوي كما تعرفنا عليه في نص "صلاح فضل" يقول بانتفاء العلاقة بين الواقع واللغة وحدد مستويات دراسة اللغة وهي: المستوى الصوتي الإيقاعي، والصرفي، والمعجمي، والتركيبي، والدلالي وهي مستويات تدرس اللغة من داخل اللغة.

4 ـ مبدأ التغريض: ونقصد به وجود كلمة محورية يدور الخطاب حولها، قد تكون بنيته العامة، أو ثيمته المحورية، وهي في النص: "حضور ثنائية المغلق والمفتوح في شعر أبي محجن الثقفي".

5 ـ الخلفية المعرفية والتنظيمية للنص:
أ ـ الخلفية المعرفية للنص: تعني أن القارئ يستخدم معرفته من أجل إتمام المعلومات المختزلة التي يقدمها النص. إن القارئ للنص يقف عند اسم "أبي محجن الثقفي" فلا يعرفه، فعليه أن يبحث عن ترجمته ليعمل على انسجام النص. أبو محجن الثقفي رجل من المسلمين كان قد ابتلي في الجاهلية بشرب الخمر، وقد تعلقت بها نفسه، وهام بها قلبه، حتى كان يوصي ولده بأن يدفنه إذا مات إلى جنب كرمة، تروي عظامه عروقها. فلما أسلم بقيت نفسه تغلبه عليها، فيعاقب عليها ويعود، ثم يعاقب ويعود،  فلما تداعى المسلمون للخروج لقتال الفرس في معركة القادسية .. خرج معهم أبو محجن وشارك فيها وأبلى البلاء الحسن، وتاب عن شرب الخمر .

ب ـ الخلفية التنظيمية: وتعني وضع محتويات النص في خطاطة:

                                                       النقد المعاصر

                     النقد الاجتماعي                                                         النقد البنيوي

            يفسر النصوص بربطها بالواقع                                         يفسر النص من خلال اللغة

                                                                                        يدرس النص من خلال ثنائيات


                                                                                      المغلق/ المفتوح     المقيد/ المطلق     السكون/ الحركة           

0 التعليقات:

إرسال تعليق