الأربعاء، 27 مارس 2013

التجنيس والمرجعية في القصة القصيرة بالمغرب

التجنيس والمرجعية في القصة القصيرة بالمغرب،لمحمد برادة(الكتاب المدرسي،واحة اللغة العربية،ص: 228-232).
تقديم:
     يدرس النص بين أيدينا علاقة القصة القصيرة بالواقع مما يفيد أن الناقد سوف ينهج منهجا اجتماعيا للوقوف على هذه العلاقة، والمنهج الاجتماعي منهج يفسر الأدب من خلال علاقته بالمجتمع الذي أنتج فيه، ويقول بانعكاس الواقع في الأدب. وقد ظهر هذا المنهج في المجتمع العربي نتيجة ترجمة الأعمال الغربية المنظرة له أو الممارسة له إلى اللغة العربية، وكذلك ظهور فئة من النقاد أرادوا لأحكامهم النقدية أن يضفوا عليها صبغة الموضوعية وذلك بتأسيسها على قواعد المنهج وآلياته العلمية. ومن رواده في العالم العربي نذكر: الطاهر لبيب، وإدريس بلمليح، وإدريس ناقوري، وحميد لحمداني، ومحمد عويس محمد ، ومحمد برادة صاحب هذا النص موضوع التحليل، وهو مقالة مقتطفة من كتاب جماعي، يحمل عنوان: "القصة المغربية: التجنيس والمرجعية وقراءة الخطاب" وهو مركب اسمي، ويحيل دلاليا إلى أن الناقد يبحث عن أثر الواقع الاجتماعي في القصة المغربية من خلال انعكاسه فيها. ما هي القضية النقدية لهذا النص؟ ما هي قضاياها الصغرى والعلاقات بينها؟ وما هي المفاهيم والمصطلحات المؤطرة للقضية؟ وما هي مرجعية الناقد فيها ؟ وما هي طرائق عرضها؟ هذا ما سنقف عنده في التحليل.
     1 ـ قضية النص النقدية:
     تتحدد قضية النص النقدية في: "الواقع الاجتماعي لما بعد الاستقلال وعلاقته بتجنيس ومرجعية القصة القصيرة بالمغرب" وتندرج تحتها مجموعة من القضايا الصغرى هي:
أ ـ سيهتم الناقد بالمرجع النصي، لأن القصة نص لا تحيل إلى شيء خارجها..
ب ـ المرجعية قريبة وملتصقة بمفهوم المحاكاة ومفهوم التشخيص … لذلك العالم الذي يرجعنا إليه نص الرواية أو نص القصة.
ج ـ يستعمل برادة المرجعية بمعنى عالم النص القصصي: فضاء، وأمكنة، وزمان، وشخوص…
د ـ لا يمكن تحديد مجال المرجعية بالنسبة للقاص، ولكن يمكن مناقشة علاقة القاص بالمرجعية هل تقوم على التماهي، أم على التحويل والتعديل، والتشويه أحيانا، والاستبطان…
هـ ـ تتحكم نوعية العلاقة التي يقيمها القاص مع مرجعياته في استراتيجية التشكيل وفي الكتابة، وكذلك في نوعية علاقة المتلقي بالمرجعية وأفق التلقي.
و ـ يمكن أن ننعت القصة بعد 1956 بنوع من التقريبية أنها واقعية، لأنها رصدت مجموعة من تحولات المجتمع المغربي عقب الاستقلال، وتميزت باحتداد في نبرة الانتقاد وإدماج البعد السياسي والاحتجاجي، ومن القصاصين في هذه المرحلة: إبراهيم بوعلو، عبد الجبار السحيمي، محمد زفزاف، مبارك ربيع…
ز ـ بعد 1970 بدأنا نحس بتحولات في القصة سببها الوعي بضرورة إقامة نوع من المسافة بين الخطاب الاجتماعي والسياسي وبين الأدب. الكاتب يكتب وينتظر أن يتغير الواقع بعد قراءة الناس لما كتبه.
ح ـ بعد السبعينات تفاعل القصاصون مع تمط معين من القصة، فالقاص لا يريد ان يغير المجتمع، لكنه في غالب الأحيان يستجيب لدافعه الداخلي، فلم تعد القصة تهتم بنقد المجتمع وتشخيص التحولات الاجتماعية، وذلك لأن الخطابات السياسية فقدت مصداقيتها لدى القارئ.
ط ـ عرفت القصة نوعا من التحولات في القصص الطويلة التي أخذت شكل الرواية.
ي ـ تغيرت المجموعة القصصية لأنها بدأت تتوخى تحقيق نوع من الوحدة تضفي عليها طابع الرواية مثل: "اشتباكات" للأمين الخمليشي، و"صياد النعام" لبوزفور …
ك ـ ابتعد تجنيس القصة الذي ظل كلاسيكيا عند القارئ العادي عن التجنيس المتحول عند الناقد والمنظر والقاص.
     2 ـ العلاقة بين القضايا: نجد هذه القضايا الصغرى تتحد بالقضية الأساس عبر علاقات لتشكل في مجموعها قضية النص النقدية، مظهرة بذلك الطريقة التي أثر بها الواقع المغربي (الاجتماعي والسياسي) لما بعد الاستقلال في تجنيس القصة القصيرة وتحديد مرجعيتها:
أ ـ علاقة إيضاح بين القضيتين: (ب، ج).
ب ـ علاقة تكامل بين القضيتين: (هـ، د).
ج ـ علاقة إيضاح بين القضيتين: (ي، ك).
د ـ علاقة تضمن بين القضايا: (أ، ب، ج، د، هـ ).
هـ علاقة تكامل بين القضايا: (و ، ز، ح).
     3 ـ المفاهيم النقدية في النص: حضرت في النص مجموعة من المصطلحات والمفاهيم النقدية هي: المرجع: ونقصد به الإحالة التي يحيل إليها النص سواء داخله (نصية)، أو خارجه(مقامية).
المحاكاة: وتعني الانعكاس.
المتلقي: وهو القارئ، وهو ركن أساسي في نظرية التلقي.  
    4 ـ مناقشة القضية: تبين من خلال عرض قضية النص الأساسية والقضايا الصغرى المؤطرة لها، أن الناقد محمد برادة سيدرس مسألة تجنيس القصة القصيرة بالمغرب في مرحلة ما بعد الاستقلال وفترة السبعينات وما بعدها، ليرى أن القصة في المرحلة الأولى ارتبطت بالواقع الاجتماعي تنتقده وتفضحه، وأن الكاتب كان يريد تغيير الواقع بكتاباته، وفي فترة السبعينات بدأ الكاتب يعي بإقامة نوع من المسافة بين الخطاب الاجتماعي والسياسي وبين الأدب. أما في ما بعد السبعينات حين فقدت الخطابات السياسية مصداقيتها بدأ الكاتب يلجأ إلى ذاته ويستجيب لدافعه الداخلي، أما على مستوى التجنيس فإن القصة المغربية بدأت تأخذ شكل الرواية، فالمجموعة القصصية تتوخى نوعا من الوحدة يضفي عليها طابع الرواية، لكن تجنيس القصة ظل ملتبسا في علاقته بالقاص والناقد والمتلقي، فالمتلقي العادي ظل كلاسيكيا يريد أدبا يعكس الواقع بينما الناقد والقاص كانا يبتعدان بالأدب عن الواقع.
   5 ـ مرجعية الناقد: رجع الناقد إلى المنهج الاجتماعي ليرى تطور القصة منذ مرحلة ما بعد الاستقلال إلى ما بعد السبعينات. وكذلك رجع إلى نظرية التلقي وذلك لتركيزه على دور المتلقي في التحولات التي عرفتها الرواية. وكذلك رجع إلى نظرية الأجناس الأدبية ليؤكد أن الكتابة الروائية بالمغرب ابتدأت بالقصة ثم المجموعة القصصية لتتطور إلى الرواية. ورجع كذلك إلى النظرية التداولية وهي نظرية لسانية تهتم بشروط تداول النص ليقف من خلالها على المفارقة التي كانت بين المتلقي للقصة والكاتب لها والناقد لنصها والتي كانت مؤسسة على علاقة التشويش، فالقارئ يطمح إلى رواية واقعية تعكس الواقع بينما النقد والإبداع يبتعدان عن الواقع.
   6 ـ طرائق عرض القضية:
    مبادئ الانسجام: نعني بالانسجام تلك العلاقات والروابط غير المتحققة لفظا(غير لغوية) بين وحدات النص، وتتطلب من القارئ أن يشارك في بنائها بالاستناد إلى قدراته التأويلية وتشغيل معلوماته ومعارفه. وهي عبارة عن مبادئ تحكم انسجام النص، وأهمها:
   أ ـ مبدأ السياق: هو الذي يحدد خطاب النص، ويشمل عناصر العملية التواصلية:
ـ المرسل: هو الكاتب المغربي "محمد برادة" الذي زاوج بين ضمير "نا" الدالة على الجماعة وضمير المتكلم.
ـ المتلقي: يشمل قراء القصة ونقادها.
ـ موضوع الرسالة: هو علاقة القصة بالمرجعية من خلال رؤية القاص والمتلقي للقصة (القارئ العادي، والناقد).
ـ الفضاء: وهو الزمن التاريخي الذي أطر حديث محمد برادة عن القصة: منذ 1956 إلى ما بعد السبعينات.
ـ المقصدية: تتجلى مقصدية الناقد واهتمامه في البحث عن طبيعة العلاقة القائمة بين كاتب القصة ومرجعية نصه القصصي.
    ولكي نؤول هذا النص تأويلا مستقيما ومقبولا لابد من الوقوف عند سياقيه: العام والخاص. ويرتبط سياقه العام بالمنهج الاجتماعي الذي ظهر في الغرب في أواخر القرن 19، وقد اقتبسه العرب من الغرب ليطبقوه على النصوص العربية. أما سياقه الخاص فيتعلق بظروف إنتاج محمد برادة لهذا النص، فقد سعى إلى توظيف المنهج الاجتماعي فيه قصد تفسير تطور القصة منذ فترة الخمسينات إلى ما بعد السبعينات.
    ب ـ مبدأ التأويل المحلي: ونعني به الارتباط بموضوع النص، وأن تأويل معطيات النص يجب أن تتقيد بالقرائن النصية وليس الخارجية، وذلك لنمنح النص انسجاما خفيا. ونمثل لذلك من النص بقول الكاتب: "وللذين لم يعايشوا هذه الفترة نذكر بأن فترة الاستقلال عرفت ثورة اجتماعية وإيديولوجية جعلت بدايات هذه الكتابات تسير في اتجاه مفهوم الأدب الملتزم، الأدب يغني للمجتمع …" يقصد بذلك أن مفهوم الأدب الملتزم كان حاضرا فقط في أدب فترة الاستقلال التي عرفت ثورة اجتماعية وإيديولوجية.
    ج ـ مبدأ التشابه: ويرتبط باستحضار القارئ معلومات سابقة، ونماذج مشابهة للنص الذي يقرؤه، ويستند هذا المبدأ إلى وجود تعاقدات بين الكاتب والقارئ؛ لأن ذلك يساهم في إدراك العلاقات والروابط التي تجعل النص منسجما. تعرفنا في نصوص سابقة أن القصة جنس أدبي إبداعي ونثري، نشأ في العالم العربي بفعل التثاقف، وطهور مجموعة من الأشياء ساعدت على ظهورها منها ظهور الصحافة، وسعي الأدب إلى الارتباط بالمجتمع وبالطبقات الكادحة فيه. وتعرفنا كذلك أن المنهج الاجتماعي يسعى إلى البحث عن الطرق التي يعكس بها الأدب الواقع. هذه معارف مختزنة في ذهن القارئ يوظفها لقراءة النص الآتي وفق مبدأ التشابه. فيستنتج أن محمد برادة يبحث في القصة القصيرة وهي جنس أدبي إبداعي نثري بالمغرب منذ مرحلة الاستقلال إلى ما بعد السبعينات موظفا في ذلك المنهج الاجتماعي ليقف على علاقة القصة بالمجتمع، وأثر المجتمع في تطور فن القصة.
     د ـ التغريض: ونقصد به نقطة محورية يدور حولها النص، وتعين غرضه، قد تتجسد في عنوانه، أو في بدايته أو وسطه أو نهايته. والتغريض بالنسبة لهذا النص يمكن تحديده فيما يلي: "علاقة القصة القصيرة بالمرجعية منذ الاستقلال إلى ما بعد السبعينات، وتأثير ذلك في كتابة القصة وتلقيها".
    2 ـ  عمليات الانسجام: يبنى انسجام النص بواسطة عمليات ذهنية يقوم بها القارئ، بعضها يرتبط بمعارفه التي يوظفها لتتميم المعارف المختزلة التي يقدمها النص، ونسميها بـ "الخلفية المعرفية". وبعضها الآخر يتعلق بوضع محتويات النص في خطاطة تنظم محتوياته المعرفية وتساعد على فهمه وانسجامه، ونسميها بـ "الخلفية التنظيمية".
     ـ الإطار: وهو من الآليات التي صاغها علم النفس المعرفي والذكاء الاصطناعي، ويقصد به تنظيم المعرفة ضمن مواضيع خاصة مثالية أو أحداث قالبية ملائمة لأوضاع خاصة. بمعنى أن الذاكرة الإنسانية تحتوي أنواعا من المعارف المنظمة في شكل بنيات جاهزة تستدعى في عملية التأويل.   
    نلاحظ من خلال قراءتنا للنص أن الكاتب لم يبين بتفصيل: "القصة" التي يثير ذكرها استحضار مجموعة من المعارف منها: (الأحداث، الشخوص، الزمن، المكان، الرؤية السردية، البعد الاجتماعي، البعد النفسي، الوصف، الحوار…) هذه المعارف مخزنة في الذاكرة يصطلح عليها بـ "الأطر". وكذلك "الأدب الملتزم" هو مذهب أدبي أسسه جان بول سلرتر، يرى أن الشعر والفنون التشكيلية لا تدخل في الأدب الملتزم لأن قراءتهما ليست موضوعية أما الفنون الأدبية النثرية كالقصة والرواية والمسرحية فتدخل في الأدب الملتزم، والأدب الملتزم أدب يرتبط بالمجتمع.
     ـ المدونة: هي متتالية من الأحداث النموذجية تصف وضعية ما، ومحكومة بطابع التتابع. ويخضع هذا النص لمجموعة من المدونات هي:
   ـ مدونة المرجعية في القصة.
   ـ مدونة القصية المغربية بعد 1956.
   ـ مدونة القصة المغربية بعد السبعينات.
   وبعد وقوفنا على مدونات النص نتوقع أن محمد برادة سيتوقف عند المرجع في القصة القصيرة المغربية ما بين 1956 و1970.
    ـ السيناريوهات: يسعى المتلقي لفهم النص إلى خلق سيناريوهات تأويلية تربط بين النص والمقام، ومن السيناريوهات التي تحضر في النص نجد توظيف الكاتب لمفاهيم المنهج الاجتماعي، والمتلقي لهذا النص مزود بمعارف قبلية حول المنهج الاجتماعي، سيصنع سيناريوهات متنوعة تسعى إلى فهم أطروحات النص واستيعابها، وهذه السيناريوهات هي: (مفهوم المحاكاة/ مرجعية/ كتابة واقعية/ تحولات المجتمع المغربي/ إدماج البعد السياسي/ الخطاب الاجتماعي والسياسي/ ثورة اجتماعية وإيديولوجية/ الأدب الملتزم/ القاص يكتب قصته وينتظر أن يتغير المجتمع بعد قراءة قصته …) هذه المصطلحات المبعثرة في النص تشكل معارف حول المنهج الاجتماعي، ستشكل سيناريوهات تأويلية متنوعة تسعى إلى فهم أطروحات النص واستيعابها.
   ـ الخطاطات: توقفنا على الشكل التنظيمي الذي صاغ الكاتب النص وفقه، ونتعرف عليه من خلال الخطاطة التنظيمية التالية:
                                                                        الدراسات الأدبية
                                                                                   ا  
             نظرية الأدب                                              النقد الأدبي                                                            تاريخ الأدب
           ———————————————-ا——————————————————
                                                                  ا
                               ——————————————————————–
                              ا                                                                                 ا
                              النقد البنيوي                                                                              النقد الاجتماعي
                              ———————————————————————-
                              ا                             ا                                                    ا                
                         نبيل راغب                    نجيب العوفي                                                  محمد برادة    
                              ا                           ا                                                      ا
                     المنهج الاجتماعي    سوسيولوجية القصيدة العربية           التجنيس والمرجعية في القصة القصيرة بالمغرب                                                                  
                                                                                                                                                        ا
                                                                                                                      ————————————————
                                                                                                                       ا                                                       ا 
                                                                                                   المرجع في القصة بعد 1956                      المرجع في القصة بعد 1970
                                                                                                                      ا                                                       ا
                                                                                                  ارتباط بين القصة والواقع                                   عدم الارتباط بالواقع  
                                                                                                                      ا                                                        ا
                                                                                     الكاتب يكتب وينتظر ان يتغير الواقع بعد قراءة قصته                الاستجابة للدافع الداخلي  
 ويمكن تأويل كل نص، حسب المرجعية(المنهج) والخطاطة اللتان ينطلق منهما الكاتب.
   تركيب وتقويم:            

0 التعليقات:

إرسال تعليق