الأربعاء، 27 مارس 2013

تحليل مسرحية”امرؤ القيس في باريس”لعبد الكريم برشيد


 تحليل مسرحية "امرؤ القيس في باريسلعبد الكريم برشيد(الكتاب المدرسي، واحة اللغة العربية،ص:194-199).
1 ـ تأطير النص ضمن السياق الأدبي لتطور فن القصة:
    ظهر فن المسرح قديما عند اليونان، وعرفه العرب في عصر النهضة نتيجة الاحتكاك الثقافي بالغرب وساعد على ذلك توافر مجموعة من الشروط السياسية والاجتماعية والثقافية نذكر منها ظهور الصحافة، وظهور طبقة مثقفة آمنت بالتجديد فوجدت ضالتهافي فن المسرح، ومن الأدباء الذين اهتموا به آنذاك يعقوب صنوع ومارون النقاش ويتميز المسرح بكونه يستمد أغلب أحداثه من الواقع المعيش. ومن رواد هذا الفن نجد: توفيق الحكيم، وسعد الله ونوس، وعبد الكريم برشيد صاحب هذا النص المسرحي الموضوع للتحليل والمقتطف من مسرحيته: "امرؤ القيس في باريس" وقد حافظ الذي اختار هذا النص من المسرحية على العنوان نفسه: "امرؤ القيس في باريس " وهو مركب اسمي يحيل دلاليا إلى شخصية أدبية تاريخية متواجدة في مدينة أوروبية. إذن كيف تنمو أحداث هذه المسرحية، وما هي فكرتها العامة، وما هي بنيتها ومكوناتها وأبعادها السردية؟ هذا ما سنتعرف عليه من خلال التحليل.
2 ـ تحديد موضوع المسرحية ومتنها الحكائي:
  يحكى أن امرأ القيس هو أول الشعراء الجاهليين الذين تفننوا فيالشعر كما تظهر معلقته خاصة وأشعاره عامة، وكان شاعرا ماجنا ينتمي إلى طبقة أورستقراطية، انغمس في الملذات والشهوات، ولما جاءه نعي أبيه وضياع ملكه، حزن حزنا كبيرا وقرر الانتقام ممن قتله وصمم على استرجاع الملك الضائع، ومن ثم بدأ يطوف القبائل العربية وغير العربية (تركيا) إلى أن مات غدرا على أيدي ملك تركيا وحاشيته. وتصور أحداث المسرحية في ثوب جديد وبنظرة معاصرة الخوف وعدم الأمن والاستقرار في حياة امرئ القيس وأنه مطارد ومطالب للقتل. وتصوره المسرحية غير مكترث لذلك وغير مهتم للزمان والمكان وللحياة، يقدم نفسه ضحية من أجل أن يعيش العربفي سلام وأمان.
3 ـ وصف الشخصيات:
     تحضر في النص ثلاث شخصيات تحرك أحداثه، وتجعلها تنمو وهي:
ـ امرؤ القيس: شاعر جاهلي منغمس في الملذات، عاش حياته تائها محاولا استرجاع ملكه الضائع.
ـ عامر الأعور: هو صاحب امرئ القيس الذي خاطبه في معلقته بقوله:
    بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه
وقد يكون رمزا لتلك القبائل التي ناصرت امرأ القيس في البداية، ثم تخلت عنه في النهاية ليموت وحيدا.
ـ بابلو: يرمز إلى مناصري (حلفاء) امرئ القيس من الغرب.
ـ رجلان مسلحان : هما رمز للقبائل التي تمنع امرأ القيس من أجل استرداد ملكه الضائع، وتترصد له من أجل قتله.
ـ القتلة والمجرمون والأوباش: الذين يترصدون لامرئ القيسويعيثون في الأرض فسادا.
ـ الشعب ، أخوتي، ورفاقي: المواطنون الذين تعرضوا للقمع والعذاب من المستعمر.
4 ـ البنية العاملية للنص:
العامل المرسل     : سعادة الشعب وأمنه + البحث عن معين (حليف) لاسترداد الملك الضائع.
العامل المرسل إليه: الملك
العامل الذات       : امرؤ القيس
العامل الموضوع  : استرجاع الملك
العامل المساعد    : عامر الأعور + بابلو + فكرة الاختفاء + فكرة الرحيل
العامل المعيق     : إصرار امرئ القيس على إتمام الطريق + الشجاعة + رجلان مسلحان + باريس.
    تصور المسرحية امرأ القيس بطلا إشكاليا مأساويا يسعى إلى تغيير العالم المحيط به المليء بالخراب والحروب بواسطة أفكار وقيم غريبة عن هذا العالم، وهو ما سيؤدي إلى فشله في مهمته، وبالتالي سيعجل في قتله.
5 ـ البعد الاجتماعي والبعد النفسي:
أولا ـ البعد الاجتماعي :
امرؤ القيس: أمير، فقد ملكه، وخرج للبحث عن مناصرين لاسترجاعه.
عامر الأعور: صديق امرئ القيس، مفتقر للذكاء، لا يستطيع مساعدة صديقه مساعدة فعلية لتحقيق غايته. بابلو: شخصية غربية تذكر امرأ القيس أن المهم ليس استرجاع الملك الضائع ولكن التخلي عن الأنانية والتفكير في آلام الناس، يأمره بأن لا يرجع عن فكرته التي تقود إلى الحرب ونسيان أمر الملك والتفكير في سلام البشر. كأنه بذلك يمثل عقله الباطن.        
ثانيا ـ البعد النفسي:
الخوف: تفكير امرئ القيس وصديقيه في الهرب إلى مكان آمن.
الحيرة: تدل على عدم نضج الفكرة في في ذهن امرئ القيس مما جعل نفسيته ضيقة.
الحلم: يدل على أن العقل معطل، وأنهما في حالة نوم وإن كانوا مستيقظين.
6 ـ المكان والزمان في المسرحية:
أولا ـ المكان:
ـ باريس: مدينة أوروبية هي عاصمة فرنسا، ليست آمنة مطمئنة لدخول القتلة والمجرمون والأوباش من مختلف الأماكن إليها
ـ مخابئ: وهي أماكن كانت تختبئ بها المقاومة أثناء الحرب، وهي أماكن آمنة.
ـ العالم: يخبر امرؤ القيس حيرته للعالم وهو مجموع الكرة الأرضية، ويطلب منه أن يرشده إلى الصواب.
ـ ضيعة: وهي المزرعة، يخبر بابلو امرأ القيس أن الوطن ليس ضيعة امرئ القيس (الملك) يتحكم فيه كيف شاء، ويعرضه للتخريب جراء أنانيته، ولكن عليه أن يتصرف بحكمة تراعي مصلحة الوطن والمواطنين.
ـ يسيران في مكانهما داخل بقعة الضوء: دلالة على أنهما لا يسيران نحو هدف معين ولكن يسيران في نفس النقطة دون أن يحققا ما يطمحان إليه.
ـ جنوب باريس وشمالها: "هل نحن في جنوب باريس أو فيشمالها" ثم سؤال امرئ القيس: "وما الجنوب وما الشرق وما الغرب" دلالة على أن المكان لا يهم، والوجهة كذلك لا تهم.
ـ فوق الفوق وتحت التحت: دلالة على مطلق المكان وغياب الوجهة لانعدام الهدف.
ـ الطريق: هي دلالة على طريق مطلقة ليس لها نهاية، لأن الهدف غير ظاهر لامرئ القيس ولعامر، وهي عمرهما الذي تاه بحثا عن شيء غير ظاهر في طريق غير واضحة المعالم.
ـ النهر: مكان به ماء، والماء هو رمز الحياة، والحياة بالنسبة لهما هي تحقيق الغاية التي هما من أجلها في باريس، وهي مساعدة الباريسيين لاسترجاع الملك الضائع.
ـ القرب والبعد: لا يهم القرب والبعد ما دام الهدف ليس واضحا ومستحيلا.
ثانيا ـ الزمان:
ـ يوم : " في أي يوم نحن يا امرأ القيس ؟" غياب معالم اليوم الذي هم فيه وملامحه، مما يعني أن الأيام كلها تتشابه. يوم لا يحمل اسما.
ـ حي نصف حياة ميت نصف موت: العمر هو زمن يبتدئ من الولادة وينتهي بالموت بالنسبة لكل شخص، لكن عامر الأعور أضاع نصف عمره باتباعه امرأ القيس وتيهه معه في المكان والزمان. فلم يعد معنى للموت والحياة أصبحا متشابهين.
ـ ساعة تقع خارج الساعة من أدركها يا عامر لم تدركه الساعة، يخرج من دائرة الأرقام والعقارب، يصبح فوق الفوق وبعد البعد: عندما يحقق امرؤ القيس ما يسعى لأجله فإنه سيدخل التاريخ، وسيخلد، يصبح خارج الزمن.
7 ـ الخطاطة السردية:
وضعية البداية
العنصر المخل
وضعية الوسط
عنصر الانفراج
وضعية النهاية
يكونامرؤالقيسجالسا إذ يدخل عليه عامر وبابلو ويخبرانه بأن حياتهفي خطر وعليه بالهروب، فتنتابه حيرة لذلك
يأخذ يد عامر ويصحبه إلى حيث يطمئن قلبه
ـ إنك تخفي عني شيئا بلا شك يا أمير
ـ تعال معي ولا تكثر الكلام …
ـ يخيل لي أننا فيحلم
ـ وما الحلم
ـ إني خائف يا امرأالقيس…. هل نحنفي جنوب باريس أمفي شمالها؟
ـ وما الجنوب ….
ـ لقد أدركني التعب وأريد أن أرتاح
ـ الطريق ليست طريقا إنها العمر
ـ ما عدت أستطيع أن أمشي
ـ يتم امرؤ القيسالطريق وحيدافيختفي عن الأنظار
يموتامرؤالقيسبطلقات نارية
يصيح عامر الأعور: مت يا مرأالقيسمن أجلي ومن أجل اخوتي ورفاقي.

   نستنتج من خلال ملاحظة الخطاطة السردية، أن أحداث المسرحية تتطور زمنيا، فقد استهلت بمحاولة الهرب خوفا من القتل، وحيرة امرئ القيس، واصطحابه عامرا الأعور وبواسطة أسئلته الوجودية والنفسية تطورت أحداث المسرحية لتكشف عن غياب رؤية واضحة للزمن والمكان وبالتالي غياب الهدف، لتنفرج المسرحية عن التخلي عن الأنانية والتضحية بالنفس ليحيى الشعب حياة طبيعية آمنة من الحروب.
8 ـ الرؤية السردية:
  تهيمن في النص الرؤية السردية من خلف، لأن السارد يعرف كل شيء عن الشخصيات.
9 ـ الحوار:
ينقسم الحوار إلى قسمين: خارجي، و داخلي.
أولاـ الحوار الخارجي: هو الكلام (الفعل اللغوي) المتبادل بين شخصيتين أو أكثر، وهو المهيمن في النص.
ثانيا: الحوار الداخلي: وهو حديث الشخصية مع نفسها، ويحضرفي النص:
أ ـ في قول امرئ القيس: لست أول من يموت من الناس، ولن أكون الأخير ..
ب ـ في قول عامر الأعور: قتلوك يا زين الشباب … قتلوك … قتلوك .!
ج ـ في قول عامر الأعور: مت يا مرأ القيس وفي نيتك أن تموت من أجلنا، مت من أجلي أنا، من أجل إخوتي ورفاقي.
   إذا كان الحوار الخارجي (المباشر) قد صور الحالة النفسية للشخصيات في علاقتها بالآخر، وبالزمان، وبالمكان، وبالمبادئ التي تؤمن بها، فإن الحوار الداخلي (المونولوغ) بين أن امرأ القيس مات صغيرا منتصرا للقيم الإنسانية النبيلة ومضحيا بحياته وبملكه فيسبيل أن يحيى شعبه في أمان واطمئنان وسلام.
10 ـ الأسلوب:
    هيمن في النص أسلوب الاستفهام، لأن الشخصيات دائما تطرح أسئلة دون أن تنتظر إجابة فعلية ويقينية لأسئلتها، مما يعني أن النص تسيطر عليه فكرة فلسفية متعلقة بالوجود وبالقيم، وبمفهوم المكان والزمان والتضحية والتخلي عن الأنانية الفردية لفائدة الصالح العام. فالنص لذلك ينمو فكريا ولا ينمو حركيا. وما يفسر ذلك هو أسلوب التعجب المصاحب لأسلوب الاستفهام.

تركيب وتقويم:
1 ـ تركيب:
    عملت مجموعة من الظروف الاجتماعية والتاريخية والفنية والثقافية على ظهور فن المسرحية في الوطن العربي، منها الاحتكاك بالثقافة الغربية بفعل الترجمة، وظهور الصحافة، وظهور طبقة مثقفة رغبت في التجديد ورأت أن المسرحية تحقق طموحاتها الفنية والأدبية. أظهر العنوان حالة امرئ القيس وهو تائهفي بلاد الروم باحثا عن مناصرين لاسترداد ملكه الضائع، وهو ما وضحه مضمون المسرحية. وأظهرت وضعية الشخصيات الاجتماعية انتماءاتها الطبقية المختلفة: أمير يحاول استرداد ملكه الضائع، صديق يساعده على ذلك، وشخصية غربية ينتهي دورها عندما تذكر الأمير بالتعقل وترك الأنانية، وهي الفكر ة التي انتصرت في الأخير كما بين الحوار الداخلي. وعملت الخطاطة السردية على إظهار نمو أحداث النص نموا تصاعديا، تتصارع فيه الحالة النفسية للشخصياتفي علاقتها بالمكان والزمان وبالقيم التي تؤمن بها وتريد إحقاقهافي الواقع، وهو ما أظهره أسلوب الاستفهام المهيمن في النص صحبة أسلوب التعجب، وكذلك البعد النفسي للشخصيات، وأظهرت وضعية السارد أن الرؤية من خلف هي المهيمنة في النص لأنه يعلم كل شيء عن شخصياته.
2 ـ تقويم:
     وعلى العموم فالنص يعالج قضية اجتماعية تؤطرها أبعاد نفسية وسياسية، تفسرها علاقة الغرب بالمشرق العربي، هي علاقة صراع ديني ولغوي وحضاري واقتصادي كذلك، وأرى أن الكاتب تمكن من رسم خطوطها العامة في هذه القصة المسرحية التي استلهمت التاريخ من أجل أن توضح أن الغرب لا يمكن أن ينفعنا وإن ادعى ذلك.

0 التعليقات:

إرسال تعليق