الأربعاء، 27 مارس 2013

تحليل نص قصصي: “عاقبة التهور” لصالح السنوسي.


عاقبة التهور

    هذه الليلة ليست كباقي الليالي، حيث بات "دحماني" يصارع النوم ويستعجل طلوع الشمس غدا ليشحن سيارته بحقائب الهدايا والملابس ولوازم حفل الزفاف الذي سيقام بعد عودته بأسبوع.
    في بداية الطريق وضع شريطا للأغنية المفضلة لديه، يرتفع مؤشر السرعة ويزداد صوت المسجل علوا فيصم آذان كل من حوله، وكأنه يريد أن يعلن للجميع أنه عائد إلى بلاده وإلى خطيبته دليلة … يغضب أحد السائقين من هذا التصرف وتنتابه عصبية بسبب السرعة والضوضاء الزائدتين عن حديهما، فيحاذيه ويخرج من سيارته ثم يقول لـ "دحماني": التمدن التمدن، ألا ترى أن هذا النعيق يزعج الآخرين بقدر ما يطربك؟ ما أشد غباوة هذا الجنس !.
    رد "دحماني" على خصمه بشتائم أقذع وأعنف وتعرض فيها إلى ذكر أمه وأشياء أخرى ثم صاح: أوقف سيارتك يا غبي إن كنت ابن أبيك. لكن "ميشال" بصق في وجه "دحماني" وزاد من سرعة سيارته. لم يحتمل "دحماني" هذا الوضع، فغلى الدم في عروقه وفقد صوابه وهو يتمتم: "لا حبذا الإهانة"، وانطلق في أثر غريمه غير عابئ بقواعد السير… واستمرت المطاردة، لكنه شاهد بقايا اللعاب فوق زجاج السيارة فازداد إصرارا على التعقب.
    في ظل هذه السرعة المذهلة لم يلاحظ السائقان اللوحة المنصبة على جانب الطريق والتي تشير إلى منعطف حاد، اصطدمت السيارتان بالحاجز المعدني ثم صعدتا فوقه، وابتلعهما ذلك الفراغ القابع خلف المنعطف …
          مصدر النص: صالح السنوسي، مجلة الوحدة، عدد:40، سنة: 1988، ص: 176-177 بتصرف.   
     اكتب موضوعا إنشائيا منسجما تحلل فيه هذا النص، مستثمرا مكتسباتك المعرفية والمنهجية واللغوية، ومسترشدا بمايلي:

1 ـ تأطير النص ضمن السياق الأدبي لتطور فن القصة:
    ظهر فن القصة منذ القديم، وعرفه العرب في "بخلاء" الجاحظ، و"كليلة ودمنة" لابن المقفع، و"المقامة" لبديع الزمان، والحريري. إلا أن القصة بمفهومها الحديث ظهرت في الغرب، ثم انتقلت بفعل الترجمة إلى الوطن العربي وساعد على ذلك توافر مجموعة من الشروط السياسية والاجتماعية والثقافية نذكر منها ظهور الصحافة، وظهور طبقة مثقفة آمنت بالتجديد فوجدت ضالتها في فن القصة. وتتميز بكونها تستمد أغلب أحداثها من الواقع المعيش. ومن رواد هذا الفن نجد: مصطفى صادق الرافعي، وطه حسين، ومحمد حسين هيكل، وجبرا إبراهيم جبرا، ونجيب محفوظ، وعبد الرحمن منيف، وصالح السنوسي صاحب هذه القصة الموضوعة للتحليل والمقتطفة من مجلة الوحدة، عدد:40، سنة: 1988، ص: 176-177، وهي تحمل عنوان: "عاقبة التهور" وهو مركب اسمي يتكون من مبتدأ محذوف تقديره: "هذه"، وخبر مذكور "عاقبة" والخبر مضاف، و"التهور" مضاف إليه. ويحيل دلاليا إلى تنبيه القارئ إلى نتيجة التهور ويطلعه عليها، ويدعوه إلى أن يكون مسالما متسامحا. إذن كيف تنمو أحداث هذه القصة، وما هي فكرتها العامة، وما هي بنيتها ومكوناتها وأبعادها السردية؟ هذا ما سنتعرف عليه من خلال التحليل.

2 ـ تحديد موضوع القصة ومتنها الحكائي:
    تحكي هذه القصة عن رجل اسمه "دحماني" يعمل في بلاد المهجر، جمع أغراضه وأمتعته للعودة إلى وطنه من أجل أن يقيم حفل زفافه، ولكثرة فرحه وضع في جهاز سيارته شريط أغنية فزاد من درجة الصوت مما أزعج أحد المارين "ميشال" فخاطبه بأسلوب دنيء وبصق في وجهه وانطلق مسرعا، مما أثار حفيظة "دحماني" فزاد من سرعة سيارته وطارده، ونتج عن ذلك وقوعهما في هاوية أعمى الغضب عينيهما عن رؤيتها، فقتلا معا، وكانت تلك عاقبة التهور.   
3 ـ تقطيع النص إلى متوالياته ومقاطعه باستثمار خطاطته السردية:
الوضعية الأولية
           سيرورات                                         
التحول                                                  
      
الوضعية النهائية

دخول حدث طارئ
تطور الأحداث
النتيجة

استعداد دحماني للعودة إلى بلاده، محملا بالهدايا ليقيم حفل زفافه.  
وضع شريط الأغنية في جهاز السيارة، وزاد في حجم الصوت مما أحدث ضوضاء في الشارع…
ـ تدخل ميشال وأخبر دحماني أن صوت مسجله أزعج الناس
ـ شتم ميشال دحماني.
ـ بصق ميشال على سيارة دحماني.
ـ طارده دحماني متهورا دون أن يحترم قانون السير …..
لم ير السائقان اللوحة المنصبة على جانب الطريق
اصطدمت السيارتان بحاجز معدني، وسقطتا في هاوية …

   نستنتج من خلال ملاحظة الخطاطة السردية، أن أحداث القصة تتطور زمنيا، فقد استهلت ببداية السفر، وركوب السيارة وإحداث ضجيج في الطريق، وغضب السائق ميشال وتشاجره مع دحماني لتتم مطاردة أحدهما للآخر، ليسقطا معا في الهاوية.

4 ـ رصد خصائص النص الفنية:
    أولا ـ القوى الفاعلة:
     أ ـ البنية العاملية:
    تحضر في هذه القصة مجموعة من القوى الفاعلة أثرت في نمو أحداثها من خلال العلاقات التي ربطت بينها، وكل منها هو عامل للدور الذي أداه لنمو أحداثها، وهي:
ـ العامل المرسل      : البلاد الأجنبية + العطلة + حفل الزفاف.
ـ العامل الموضوع   :  السفر إلى المغرب للزواج
ـ العامل المرسل إليه :  المغرب
ـ العامل المساعد     :  السيارة + الفرحة + العطلة
العامل الذات          : دحماني
ـ العامل المعاكس     : الشريط + الضجيج + ميشال + التهور + سرعة السيارة …

   ب ـ النموذج العاملي:

العامل المرسل                العامل الموضوع                         العامل المرسل إليه
البلاد الأجنبية                      السفر إلى المغرب للزواج …                       المغرب
 


العامل المساعد                       العامل الذات                       العامل المعاكس
السيارة + الفرحة + العطلة                   دحماني                               صوت الشريط المزعج+
                                                                                    ميشال + التهور +
                                                                                    سرعة السيارة …

     ج ـ العلاقات بين القوى الفاعلة: تربط مجموعة من العلاقات بين القوى الفاعلة في النص نحددها في: علاقة تواصل بين المرسل (البلاد الأجنبية)، والمرسل إليه (الوطن). وكذلك علاقة رغبة وتتحدد في سعي الذات (دحماني) لتحقيق موضوع رغبته (السفر إلى المغرب للزواج). وكذلك علاقة صراع بين المساعد لتحقيق موضوع الرغبة (السيارة، والفرحة، والعطلة) والمساعد الذي يمنع الذات من تحقيقها ويتحدد في النص في (صوت الشريط المزعج، وميشال، وسرعة السيارة، والتهور).

ثانياـ الرؤية السردية:
   تحضر الرؤية السردية "من خلف" في النص؛ لأن السارد يعرف كل شيء عن الشخصيتين، وعن عاقبة التهور التي سيجنيان ثمرتها بوقوعهما في الهاوية.

ثالثا ـ بناء النص الفني:
أ ـ  بنية الزمن:
   ونقصد به الزمن الطبيعي وزمن السرد:
   ـ زمن السرد: وهو زمن متصاعد في النص، فالأحداث فيه ابتدأت باستعداد "دحماني" للعودة إلى وطنه لحضور حفل زفافه، وحصلت له في طريقه مشاجرة مع "ميشال" نتيجة عدم احترامه لمستعملي الطريق العام، أدت إلى تهورهما وموتهما معا.
   ـ الزمن الطبيعي: وتشير إليه الألفاظ التالية: (الليلة، طلوع الشمس، الليالي، غدا، بعد أسبوع).

ب ـ بنية المكان:
   يحضر المكان في النص ليكمل الدلالة العامة لأحداث النص؛ لذلك فهم مفصل من المفاصيل الدلالية للقصة، تقوم عليه، وهذا ما يوضحه الجدول التالي:

المكان
تعريفه
البلد
البلد الأصلي لـ "دحماني" الذي سيقام فيه حفل الزفاف.
المنعطف
المكان الذي اصطدمت به السيارتان
    
ج ـ بنية الوصف:
  يأتي الوصف ليحمل دلالات عديدة ليفتح النص ويقف بنا عند عوالمه المتعددة. ويخلق الوصف وصلا بين مكونات النص، فعن طريقه تنكشف ملامحه، كما يتضح من خلال تتبعه في النص ورسم معالمه في هذا الجدول:
الشخصيات
وصفها
دحماني
ـ على الدم في عروقه، فقد صوابه، غير عابئ بقواعد السير، ازداد إصرارا على التعقب
ميشال
ـ انتابته عصبية بسبب السرعة ولضوضاء في وجه دحماني.
   وتمكننا هذه الأوصاف من الوقوف على دواخل هاتين الشخصيتين، فكلاهما في حالة غضب، تظهر سخط أحدهما على الآخر. وتظهر كذلك كراهية الجنس الأوروبي للجنس العربي، ونظرة الاحتقار التي يرى بها الأوربيون العرب، بأنهم قوم غير متمدنين.

د ـ بنية الحوار:
   يرتقي الحوار في مدارج القصة ليصل بنا إلى عوالمها، ليكشف عوالم شخصياتها، لذلك فهو بنية من البنيات التي تتأسس عليها القصة، ويحضر في النص بشكليه المباشر، وغير المباشر، كما يظهر هذا الجدول:
الحوار الخارجي
الحوار الداخلي
ـ يقول لـ "دحماني" التمدن، التمدن ألا ترى أن هذا النعيق يزعج الآخرين بقدر ما يطربك ؟ ما أشد غباوة هذا الجنس !
ـ وهو يتمتم: لا حبذا الإهانة.
 يظهر لنا المثالان الأخيران أن الشخصيتين كانتا في حالة غضب، مما جعلهما يتحاوران هذا الحوار اللاذع، فقد جسد هذا الحوار نوع العلاقة التي ربطت وتربط بين "دحماني" وميشال، وتتجسد في علاقة صراع.

رابعا ـ أبعاد القصة الاجتماعية والنفسية:
أ ـ الأبعاد الاجتماعية:
    يتبين من خلال قراءتنا للقصة أن كلا من "دحماني" و"ميشال" ينتميان إلى طبقتين اجتماعيتين مختلفتين، الأول عربي، والثاني فرنسي هذا من جهة ومن جهة أخرى يتضح أن "دحماني" يعمل في بلد "ميشال" أي هو مهاجر عامل بأوروبا. إضافة لذلك يظهر أنه شاب يملك سيارة مؤهل للزواج مما يدل على أنه من طبقة متوسطة تملك أساسيات الحياة اليومية.

ب ـ الأبعاد النفسية:
    تبين لنا من خلال حديثنا عن القوى الفاعلة وعن العلاقة التي تربط "ميشال" بـ "دحماني" أنها علاقة صراع، بل يعمل "ميشال" معاكسا منع "دحماني" من تحقيق موضوع رغبته وهي الوصول إلى وطنه وإقامة حفل زفافه. وكذلك تبين من خلال الوصف حالة الغضب التي انتابت الشخصيتين وأدت إلى فقدانهما لصوابهما مما عجل في قتلهما.

خامسا ـ الأسلوب:
    حضر في النص من خلال:
   ـ أسلوب الاستفهام: ويمثله كلام ميشال: "ألا ترى أن هذا النعيق يزعج الآخرين بقدر ما يضرك ؟"
   ـ أسلوب النداء: ويمثله كلام "دحماني" مخاطبا "ميشال" بقوله: يا غبي.
   ـ أسلوب التكرار: ويمثله كلام "ميشال" مخاطبا "دحماني" بقوله: التمدن التمدن.
   
5 ـ تركيب نتائج التحليل للكشف عن البعد النفسي والاجتماعي في النص، ومناقشة مدى تمكن الكاتب من التعبير عن هذين البعدين في شكل قصصي، مع إبداء الرأي الشخصي.
     عملت مجموعة من الظروف الاجتماعية والتاريخية والفنية والثقافية على ظهور فن القصة في الوطن العربي، منها الاحتكاك بالثقافة الغربية بفعل الترجمة، وظهور الصحافة، وظهور طبقة مثقفة رغبت في التجديد ورأت أن القصة تحقق طموحاتها الفنية والأدبية. أظهر العنوان عاقبة الغضب منبها بذلك القارئ إلى الابتعاد عنه، وهو ما وضحه مضمون القصة، وعملت الخطاطة السردية على إظهار نمو أحداث النص نموا تصاعديا، تتصارع فيه بنيتان ثقافيتان كل واحدة منهما تنتمي إلى حضارة وثقافة مختلفة عن الأخرى: الأولى عربية والثانية غربية، وأظر الوصف حقد المجتمع الغربي على المجتمع العربي من خلال تأكيد الكاتب على النظرة الساخرة التي ينظر بها الآخر إلى الإنسان العربي، نتيجة الفروق الاقتصادية التي يعيشها الإنسان العربي الذي هو في حاجة إلى الغرب للعمل شأن "دحماني" وهو ما أكده أبعاد النص الاجتماعية والنفسية، ورسخه الأسلوب خاصة تكرار كلمة: "التمدن" وحضور عبارة: "ما أشد غباوة هذا الجنس" يعني العربي.
     وعلى العموم فالنص يعالج قضية اجتماعية تؤطرها أبعاد نفسية تفسرها علاقة الغرب بالمشرق العربي، هي علاقة صراع ديني ولغوي وحضاري واقتصادي كذلك، وأرى أن الكاتب تمكن من رسم خطوطها العامة في هذه القصة القصيرة.

0 التعليقات:

إرسال تعليق